الأحد، 19 أكتوبر 2014

قراءة في قصيدة سيف السعدي


سيف السعدي.. وأوجاع صحبة الغدر
ﻭﻻ‌ ﻳﻘـﺪﺭ ﺍﻟﻌــــﺎﺭﻱ ﻳﻐﻄﻴﻚ بثياب!!

علي المسعودي


يقول الشاعر حسان بن ثابت رضي الله عنه:
وَكُـلُّ أَخٍ يَقُــولُ أَنَـا وَفِـيٌّ

وَلَكِـنْ لَيْـسَ يَفْعَـلُ مَا يَقُـولُ

سِـوَى خِلٍّ لَهُ حَسَـبٌ وَدِيـنٌ

فَذَاكَ لِمَـا يَقُـولُ هُوَ الفَعُـولُ

وفيما ينسب إلى الشافعي رحمه الله قوله:
سَـلامٌ عَلى الدُّنْيـا إِذَا لَمْ يَكُـنْ بِـهَا

صَـدِيقٌ صَدُوقٌ صَادِقُ الوَعْدِ مُنْصِفَـا

والصديق المخلص في صداقته نادر جداً في هذا الزمان فعلى من ظفر به أن يتمسك به ولا يفرط فيه .ومن الحكم المنسوبة للإمام علي كرم الله وجهه ورضي عنه "ابذل لصديقك كل المودة ولا تبذل له كل الطمأنينة وأعطه من نفسك كل المواساة ولا تفض له بكل الأسرار"

وقال ابن المقفع:الأخ نسيب الجسم والصديق نسيب الروح.
وقال أفلاطون عندما سئل عن معنى الصديق: هو أنت إلا أنه غيرك.
وقال أرسطاطاليس:الصديق قلب تضمن جسمين.
وهنا يتناول الشاعر الشفاف والمبدع سيف السعدي زاوية مهمة من النصح عبر قصيدة جميلة وصادقة وصافية تتضح فيها الرؤية تماما، فهو يحدد شكلا خاصا من الأصحاب، يبين ملامحه وتصرفاته  ويحذر منه تحذيرا بالغا لأن ضرره أكبر من العدو.. ويبدأ قصيدته مباشرة بتوضيح المقصود إذ يقول:

ﺍﻟﺼــﺎﺣﺐ ﺇﻟﻠﻲ ﻣﺎﻳﺮﺍﻋﻲ ﺷﻌﻮﺭﻙ
ﻭﻻ‌ ﻳﺼﻮﻧﻚ ﻓﻲ ﺣضـﻮﺭﻙ ﻭﺍﻟﻐﻴــﺎﺏ

هذا الذي يسمى صاحبا تجاوزا والذي يمتلك هاتين الصفتين وهما عدم مراعاة مشاعر الصديق بما ينطوي ذلك من أنانية ولامبالاة وتكبر وعدم مشاركة، ثم الصفة الثانية المتمثلة في أنه يستبيح صاحبه سواء في حضوره أو غيابه فلايحفظ كرامته ولايكتم سره ولايذب عن عرضه..
وبعد أن يوضح صورة الصاحب يبدأ الشاعر بسرد مرارة الشعور تجاه هذا النوع من البشر.. ويحذر منه تحذيرا شديدا.. وأول التحذير هو:

ﻋﻠﻴــﻪ ﻻ‌ ﺗﻜﺸﻒ ﺧﻮﺍﻓﻲ ﺃﻣـــﻮﺭﻙ
ﺇﻳـــــﺎﻙ ﺗﻔﺘﺢ ﻟﻪ ﻋﻠﻰ ﺳﺮﻙ ﺃﺑﻮﺍﺏ

وهذا البيت هو استهلال رائع للنصح مناسب لوصف سلبيات الصاحب في البداية  فمن اللحصافة أن تكشف سرك على من لايصونه ولاأن تفتح له خوافي مشاعرك وهو الذي لايراعي تلك المشاعر ولايضعها موضع الإكرام، ثم يكمل الشاعر موعظته الجميلة مضمنا أبياتها تصاوير وأوصاف تقرب المعنى:
ﺧــﺬ ﺑﺎﻟـــﺰﻣﺎﻡ ﻭﻻ‌ ﺗﻮﻟﻴــﻪ ﺷــﻮﺭﻙ
ﻳﻨـــﺪﻡ ﻣﻦ ﻳﻮﻟﻲ ﻋﻠﻰ ﺿﺎﻧﻪ ﺃﺫﻳﺎﺏ
ﻻ‌ ﺗﻤـﺪ ﻣـــﺎ ﺑﻴﻨﻚ ﻭﺑﻴﻨﻪ ﺟﺴــﻮﺭﻙ
ﻛﺎﻟﺤـﺮ ﺧـﻠﻚ ﻟﻠﻤﺸـﺎﺭﻳﻒ ﻭﺛـــــﺎﺏ
ﻻ‌ﺗﻨـــﺪﻓﻊ ﺗﺒــﺬﺭ ﺑﺄﺭﺿـــﻪ ﺑـــــﺬﻭﺭﻙ
ﻛﻢ ﺯﺍﺭﻉ ﺑﺄﺭﺽ ﺍﻟﺼﺒﺦ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ﺧﺎﺏ
هكذا تتغلغل القصيدة في القلب وهي تعيد القلم وتظهر باللون ملامح الصورة.. حتى يتجلى المعنى تماما، وتتفرق الغيوم عن شمس الحقيقة التي لايجب أن يداخلها التباس.. فالخسران والخيبة هو من يودع ضأنه عند الذئب

ﻋﻠﻴـــــﻪ ﻻ‌ﺗﺒﻨـﻲ ﺷﻮﺍﻣــﺦ ﻗﺼـــﻮﺭﻙ
ﺳـــﺎﺱ ﺍﻟﺘﻘﻰ ﻣﺎ ﻳﻨﻮﺟﺪ ﻋﻨﺪ ﻣﻐﺘﺎﺏ
ﻣﺎ ﻳﻘـﺪﺭ ﺍﻟﻨـــﺎﻗﺺ ﻳﻮﻓﻲ ﻗﺼــــﻮﺭﻙ
ﻭﻻ‌ ﻳﻘـﺪﺭ ﺍﻟﻌــــﺎﺭﻱ ﻳﻐﻄﻴﻚ بثياب..

وهكذا يختم بأبيات شاملة وافية تلخص المعنى وتعطي دلالاتها.. كما تعبر عن وجع مخفي لايصرح به الشاعر لكنك تتلمسه في الأبيات، إذ أن التوجس من الآخر في هذا الزمن أصبح ضروريا في مجتمع الغابة الذي يسود المشاعر..
وقال الشاعر العربي:
تخير لنفسك من تصطفيه
ولاتدنين إليك اللئاما
فليس الصديق صديق الرخاء
ولكن إذا قعد الدهر قاما
تنام وهمته في الذي
يهمك لا يستلق المناما
وكم ضاحك لك احشاؤه
تمناك ان لو لقيت الحماما


0 تعليقات:

إرسال تعليق

الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]

<< الصفحة الرئيسية